مقدمة مختصرة
استطاعت الشريعة القرآنية أن تبلغ كمالأ مزدوجآ, لا يمكن لغيرها أن يحقق التوافق بين شقيه: لطف في حزم، وتقدم في ثبات، وتنوع في وحدة، لقد أتاحت الشريعة القرآنية للنفس الإنسانية أن تطمئن إلى سعادة مزدوجة، تجمع أيضا بين النقيضين: خضوع في الحرية, ويسر في المجاهدة، ومبادأة في الاستمرار، وقليل من فهم تلك الحكمة الرفيعة، إذ أخذ بعضهم على الإسلام أنه لم يحدد مثلا الطريقة التي تحدد شكل الدولة المسلمة.
إذن فليس القرآن عملا فلسفية، بمعنى أنه ليس ثمرة فلسفة، وهولا يستخدم طرق الاكتساب الفلسفي، بالإضافة إلى أنه لا يتبع كذلك طرق التعليم التي يتبعها الفلاسفة، وهي طرائق المنهج العقلي، تلك التي تقوم على: ( التعريفر والتقسيم، والبرهنة, والاعتراضات، والإجابات)، التي كلها تعد أمورا متلاحمة دون جدال، ولا تؤثر إلا على جانب واحد من النفس، ألا وهو الجانب العقلي. فعلى حين أن للقرآن منهجه الذي يتوجه إلى التنفس بأكملها، فهو يقدم إليهاغذاء كام يستمده من العقل والقلب، كليهمار نصيبا متساويا وهو ما يجعله ليس كتاب دين. إنه مهما تكن الفروق بين الفلسفة والدين - والتي تتمثل في أن الأولى، تستمد منيعها من ارتياب العقل، فإن الدين يستمده من الضوء الكامل للوحي. فإذا كان الأول ( وهو الفلسفة ايتقاد أحيانا وراء سراب التخيل ويمسي ليس سوى معرفة محضة وبسيطة، فإن الأكرقطاع عميق وأخاذ. فمهما تكون الفروق بينهما، فإنه للفلسفة في جانبها الأسمي، وللدين في جميع أشكاله موضوع مزدوج، مشترك، وهومايتجسد في حل مشكلة الوجود، أصله ومصيره، وتحديد الطريقة الحكيمة والمثلي للسلوك وتحصيل السعادة